الذوق والجمال قيمة أخلاقية
الذوق الحسن والجمال المبهج قيمتان إنسانيتان، توافق إبداع الله في كونه الواسع، الذي صنع فأحسن، وخلق فأبدع، فمن صفاته العلا “الجمال”، ففي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إن الله جميل يحب الجمال” ، ويلفت الحق سبحانه نظرنا إلى كونه لنفقه جماله، فنعكسه على ذواتنا ومحيطنا، حتى لا ننفصل عن وحدة الكون، فنخلخل نسقيته البديعة، فيقول: أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج ، فتتطلع إلى السماء فوقك، فتبهجك فعلا بلآلئها ونسقها الفني المحكم، فتطرق سمعك لمسة الخطاب الرباني: إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب ، فترجع ببصرك إلى الأرض، فإذا هي جمال في جمال، وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ، فـالنخل باسقات لها طلع نضيد ، والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تاكلون ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون ، فيشنف سمعك من جديد نور التنزيل قائلا: وفي أنفسكم أفلا تبصرون؟ ، فتعيد النظر من جديد يمنة ويسرة، بين جنبيك وسقف السماء وبساط الأرض، فـينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير ، فلا يسعك إن حسن ذوقك إلا أن تذعن معترفا صنع الله الذي أتقن كل شيء .
جمالية الكون
وجمالية الكون هذه، تنعكس بالضرورة على كل إنسان سلمت فطرته الإنسانية، وخصوصا المسلم الذي يربط عبودية التفكر في آلاء الله بنظر جمالية الكون من حوله، فيتذوق ذلك الجمال، فيصبح عنده قيمة أخلاقية
وسلوكية لا تنفك عنه أبدا، بل تكون نتيجتها إسلام القياد لخالق الكون ومبدعه الواحد الأحد إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ .
فالجمال صورة محسوسة تراها العين وتتذوقها النفس، وأما التذرع بكون الصورة خداع ظاهر عن حقيقة الباطن، فحكم صائب عند تضادهما، أما إذا اجتمع جمال الباطن وجمال الظاهر، اكتملت عندها القيمة الإنسانية السليمة، فعبارة “انظروا” في القرآن دعوة للنظر الحسي الجلي لا الخفي..
والجمال انعكاس للفكر والسلوك، فمن استقام فكره ونظرته للأشياء، انعكس ذلك في سلوكه على الأرض، في حركاته وسكناته، وقد وصف الله تعالى في كتابه الكريم العديد من الأخلاقيات بالجمال:
– فكثير من الناس يصبرون، لكن أبهى صوره الصبر الجميل: فاصبر صبرا جميلا.
– وكثير من الناس يصفحون، فيمنون، لكن أرقى صوره الصفح الجميل فاصفح صفحا جميلا .
– وكثير من الناس يهجرون، لكنهم يسيئون إلى مهجورهم، وتبقى أندى صور الهجر، ما كان جميلا مصبوغا بالحكمة والرفق: واهجرهم هجرا جميلا .الذوق السليم،
الذوق السليم
جاء الإسلام لتنظيم الحياة وإدارتها، فلا يقتصر الإسلام على القيام بالشعائر الدينيّة من صلاة، وصيام، وذكر، وتسبيح، فيضاف إلى هذه العبادات، الذوق السليم،
صاحب الذوق السليم، لا يبخل بابتسامته في وجه أخيه الإنسان، مهما أظلمت حوله الدنيا، وصدق معلم الإنسانية صلى الله عليه وسلم وهو يعلمنا كيف نرهف الحس وننمي الذوق ونطيب الخاطر، فيقول: “تبسمك في وجه أخيك صدقة” .
قال ابن عيينة رحمه الله: البَشَاشَة مصيدة المودَّة، والبِرُّ شيء هيِّن، وجه طليق، وكلام ليِّن).
جميل أن تظهر مظاهر الجمال والذوق السليم في كل دقائق حياتنا:
– فيما تقع عليه العين من سمت حسن، وحسن هيئة، ووجه طلق باش يبشر ولا ينفر، يسبق بجاذبيته حال صاحبه قبل مقاله، ولباس يبهج الناظرين ويزيل الحرج والاستغراب، دون تكلف، فقد سأل رجل ابن عمر: “ماذا ألبس من الثياب؟ قال: ما لا يزدريك فيه السفهاء، ولايعيبك فيه الحكماء” .
– وفيما تسمعه الأذن من أدب الكلام، وحسن العبارة، وخفض الصوت، وبشرى الخطاب وقولوا للناس حسنا 16 .
– وفيما تشمه الأنف من طهارة البدن وطيب الرائحة، ما لم يؤذ جالسا، أو يناقض شرعا.
الجمال والذوق المنضبط بالخلق والسلوك، قيمة إنسانية جديرة بالاهتمام على طريق بناء الذات وتزكية النفس
قال ابن عيينة رحمه الله: البَشَاشَة مصيدة المودَّة، والبِرُّ شيء هيِّن، وجه طليق، وكلام ليِّن).
المصدر : https://wp.me/pen5uR-zw
عذراً التعليقات مغلقة